قادر عطية: عن الصَّمت
قريبا
شهد التاريخ الحديث والمعاصر بعضاً من أضج المآسي التي مرّت على البشرية، والحقبة الراهنة متأثرة بما خلّفته تلك الأحداث من ذكريات مؤلمة. كما أدّت عوامل الاستعمار والاضطهاد السياسي والدمار البيئي إلى موجات هجرة ضخمة عبر القارات، وهو ما أدخل تحوّلات على النسيج الاجتماعي في كافة أرجاء العالَم. إلا أن الأيديولوجيات وأنظمة الحكم المعمول بها في عصرنا الحالي تواصل غالباً خلق فضاءات من الصَّمت تؤدي إلى طمس الكثير من تلك السرديات التاريخية.
يُعالِج المعرض مفهوم الصَّمت، تلك الظاهرة التي تستدعي الصراخ، من خلال مجموعة أعمال تستحضر تأملاً معمقاً في تلك الصدمات التي تلت الاستعمار وما ينطوي على ذلك من حالة "إصلاح" نفسي. التركيز على الأعمال التي أنتجها الفنان على مدى العِقدين الماضيين، يساهم بسرد المعرض لقضايا تؤثّر على الإنسانية بأسرها، ولكن مع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد حالة من "الصَّمت المطبق" في قضايا ثقافية واجتماعية وتاريخية والتابوهات التي تقلص فضاءات التعبير وتجعلها بمثابة تحديات في الحياة العامة والنقاش السياسي.
تم تنظيم هذا المعرض خصيصاً للدوحة، وهي مدينة عالمية للسفر، متعددة الثقافات ومستمرة التأقلم والتكيف على الدوام مع التطورات الاجتماعية والسياسية في المنطقة والعالَم. يسعى المعرض إلى دفع الجمهور لتقصّي مواضيع التراث والتطلع، والعهود والاعتداء، والاستعمار والتحرير، ومفهوم المحلي والعابر للحدود. وإلى جانب هذه المواضيع، تطرح أعمال قادر نقاشات بخصوص البيئة وعلاقتنا المادية وغير المادية بالكون. أما القاسِم المشترَك الذي يربط إنتاجه الفني هو التركيز على إمكانية الصَّمت القسري أن يؤدي للاضطهاد والصدمة، وكيف يمكن أحياناً كسر هذا الصَّمت خلال لحظات ثورية تأتي كردّ فعل على حالة الظلم.
يضمّ المعرض عملين رئيسين تم إنتاجهما خصيصاً لقاعات المتحف. الأول هو "تشابك الأشياء" والذي ينطوي على فيلمٍ ونِسخٍ شبه الأصل من منحوتات أفريقية، ويستقصي الجدل المعقَّد المرتبط بإعادة الأعمال الفنية واللقى الأثرية التي تم الاستحواذ عليها من القارة الأفريقية خلال حقبة الاستعمار. أما الثاني "عن الصَّمت" فهو عمل تركيبي مكوّن من أطراف صناعية تُجسِّد وسيلة من وسائل علاج ضحايا فقدوا أطرافهم في مناطق النزاعات. يُمثل هذا العمل، الذي صُمِّم لقلب المعرض، دعوة للزوار للتفكير بالمواضيع المطروحة ومحفِّزاً قوياً للنقاش والتأمل. وإلى جانب الصوت والحركة والخيال والمشاعر، يستحضر هذان العملان مفهوم الصَّمت باعتباره حالة ضرورية لكل حوار.